حامد ربيع حين يعلمنا أن إسرائيل ستظل عدواً ،وأمنها القومى لا يتحقق إلا بإفناء أمتنا!!
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم د.رفعت سيد أحمد
كان لى ،ولجيلى، حظ التعلم فى مدرسة (حامد ربيع) للعلوم السياسية فنحن حين دخلنا كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فى العام 1974 كان اسم العلامة الدكتور /حامد ربيع ملء السمع والبصر ، فهو الفقيه فى الفكر السياسى الاسلامى وهو العالم والمؤرخ القدير فى فهم طبيعة الصراع العربى الصهيونى، وآليات صنع القرار فيه وهو استاذ العلوم السلوكية والدراسات والحاصل على عدة درجات علمية فى هذا الفرع من الدراسات، على المستوى الدولى وهو فوق هذا وقبله استاذى واستاذ اجيال من الخبراء والعلماء والكتاب والباحثين فى الفكر العربى المعاصر الذين تتلمذوا على يديه حتى لحظات رحيله الدرامى عن عالمنا عام 1989؛ بعد نشره لدراستين خطيرتين فى صحافة ذلك الزمان الاولى (عن اختراق العقل المصري) فى الاهرام الاقتصادى والثانية عن (الحرب القادمة بين العرب وإسرائيل) فى صحيفة الوفد وإثر وفاته اثيرت شائعة ان الدراسةالاخيرة كانت سبباً فى وفاته لما تضمنته من اسرار مذهلة عما تخطط له إسرائيل وما لديها من أسلحة متقدمة وتفاصيل ووثائق التوطؤ الرسمى العربى معها؛ الامر الذى ادى الى "قتله" وهى شائعة نحسبها غير صحيحة وان ظل العداء الاسرائيلي للرجل حقيقة ثابتة تؤكدها الوثائق وتؤكدها السيرة العطرة المجاهدة لعالمنا وشيخنا الاستاذ الدكتور حامد ربيع .
اليوم نذهب لزيارته بعد ان نسيه الجميع تقريباً،وان كانت الزيارة من زاوية اخرى، انها زيارة لمؤلفاته الهامة عن الامن القومى العربى، وما يسمى بالامن القومى الاسرائيلى ،وهى زيارة تحتاجها امتنا اليوم وسط حالة التيه والبلبلة ، وصراع الصغار وتطاولهم حتى على المفاهيم المستقرة التى تعلمناها من علماء كبار مثل أستاذنا حامد ربيع، نحتاج اليوم وسط حالة التطبيع المجانى بين انظمة شاخت على مقاعدها وبين الكيان الصهيونى، أن نعيد الى الاذهان مجدداً حقيقة هذا العدو وطبيعته العدوانية وكيف يفهم ويدرك مفهوم الامن القومى لدولته والذى يتناقض جذرياً مع الامن القومى لهذه الامة، زيارة نحتاجها بعد ان تسيد المشهد الثقافى والاكاديمى والاعلامى العربى (والمصرى قبله) الصغار ،فكراً ودوراً وثقافة ولأنهم كذلك – صغار – رأوا كل شئ صغيراً بما فى ذلك امن وطنهم القومى الذى تقزم لديهم ليصير امن النظام بل احياناً أمن الحاكم وعائلته...
.
- تعالوا نستمع الى استاذنا حامد ربيع وهو يعلمنا ان الامن القومى للعدو الصهيونى يتبلور فى سبع ركائز رئيسية لاتتبدل ،الا فى الشكل وآليات التنفيذ ،وهى ركائز تعنى بالمقابل تدمير الامن القومى العربى وسنحاول هنا ان نضيف قليلاً الى رؤية استاذنا مع وضع التطورات التالية لرؤيته منذ وفاته والتى المت بالامة العربية حتى يومنا هذا 2009 فماذا عنها؟
يبلور د.حامد ربيع فى مؤلفاته إجمالاً وفى كتابه المتميز (نظرية الامن القومى العربى –دار الموقف العربى- 1984 ) ركائز الامن القومى الاسرائيلى فى الأتى:-
الركيزة الاولى: مفهوم الاعتماد على الذات:-
وهومفهوم قديم فى الممارسات اليهودية فى عالم الجيتو وعلى وجه التحديد فى شرق أوروبا،حمامات الدم المتجددة فرضت على الاقلية اليهودية وفقاً لحامد ربيع ألا تعتمد إلا على نفسها. وهو مفهوم انتقل مع اليهود المهاجرين الذين اغتصبوا فلسطين وقد دعم هذا المفهوم تقلبات السياسة البريطانية بين مشجع لليهود على الاستقرار على ارض فلسطين ومعارض لذلك، ارتفع ليصير جوهر الامن الاسرائيلى عقب انشاء اسرائيل فالدولة الجديدة تجد نفسها معزولة ومحاصرة فى جو من العداوة يذكر القيادات بما كانت الجماعات اليهودية تعانيه ايضاً فى جميع أجزاء أوروبا لقد اصبحت اسرائيل مجتمع الجيتو فى الاسرة الدولية، زاد من هذه الحقيقة عزل اسرائيل دولياً فى اكثر من موقف واحد عبر تاريخها ولعل اكثرها وضوحاً القرار الدولى باعتبار الصهيونية نوع من انواع التعصب العنصرى عام 1975م وقد ترتب على هذا المفهوم مجموعة من النتائج الخطيرة أبرزها النظرة الى الصراع العربى الإسرائيلى على انه حقيقة لا يمكن الغاؤها او التهرب منها ، انها ابدية مثل ابدية المهجر اليهودى لانه حقيقة معطاه وهو مفروض على الإرادة الإسرائيلية وكل ما تستطيعه أن تخطط تعاملها مع ذلك الصراع وفى هذا السياق يرى ربيع ان مجرد الحديث عن سلام حقيقى عربى إسرائيلى هو نوع من الحديث الدعائي البعيد الصلة عن الواقع السياسى.
الركيزة الثانية :مبدأ الحرب المستمرة:-
وهذه الركيزة هى نتيجة منطقية لحقيقة العلاقات بين الجانب الإسرائيلى والعالم العربى رغم اتفاقيات كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقات العربية الاسرائيلية وهذا المفهوم أدى الى نتيجتين:
من جانب فإن حالة الحرب القائمة والمستمرة و من الممكن ان تتبلور بمجرد إجراء يأتيه الخصم يكشف عن تلك الحالة .لقد سبق ان رأينا هذا فى أغلاق مضيق تيران ، دخول قوات هجومية مصرية فى سيناء ،حدوث تحالف بين اى دولتين من الدول المحيطة بإسرائيل وعلى وجه التحديد مصر والاردن وسوريا.
ومن جانب اخر ان اساس العقيدة القتالية الإسرائيلية هو مفهوم الامة المحاربة ومعنى ذلك انه ليست هناك تفرقة بين الجندى المهنى والمواطن الجندى، ان كل امرأة هى مقاتلة ،وكل رجل على استعداد للقتال وكل منزل قلعة و جميع المدنيين هم مقاتلون،وجنود وهم جزءاً لا يتجزأ مما يسمى بجيش الدفاع عن الوطن فى لحظة المواجهة
الركيزة الثالثة :الحرب الوقائية:
-
الحرب القائمة أوالمستمرة من جانب ثم الاطار الضيق لامن اسرائيل بسبب اوضاعها الديموجرافية والجغرافية كان لابد وان يقود فى لحظة معينة الى تسرب مفهوم الحرب الوقائية، المتغير الاساسى هو ما يسمى بالزمن العسكرى والقدرة و الاستعداد لمواجهة احتمالات صدام مع العدو فالزمن العسكرى دائماً كان فى صالح الجانب العربى وبصفة خاصة قبل 1967م ، ومن ثم كان من الطبيعى وقد سبق ورأينا جوهر أن الفكر الإسرائيلى العسكرى يقوم على عدم الاعتماد الا على النفس ،ان تصوغ هذا البناء الذى فى جوهره الخروج على جميع مفاهيم التعامل الدولى فى تقاليده المعاصرة .
والمتتبع لهذا المفهوم يجد أنه قد مربعدة مراحل ففى الخمسينات كان يعبر عنه بالدفاع النشط والذى يعنى تتبع اى محاولة لاختراق الحدود الاسرائيلية بالحساب المضاعف للدولة التى جاءت منها العمليات موضع الحساب وفى مرحلة ثانية بدأ الحديث عن الضربة المجهضة والتى لا تعدو عملية محدودة فى ابعادها ليس لها من محور سوى القضاء على سلاح معين يمثل خطورة معينة وهى النظرية التى طبقت فى تدمير المفاعل النووى بالقرب من بغداد (والتى ربما تطبق على ايران هذا العام 2009) ولكن فى لحظة ما ارتفع المفهوم فإذا به يصل الى الحرب الوقائية التى تعنى شن حرب كاملة لمجرد التحرز والاحتياط ازاء خطر متوقع وهو ما حدث عام 1967م ثم الحروب التى تلتها وخاصة حربى لبنان وغزة 2006-و2009
.
الركيزة الرابعة :توازن القوى
وهنا يرى د.حامد ربيع أن حروب اسرائيل العدوانية فرضت عليها ان تكون ليست فقط فى حاجة الى اداة دفاعية بل ايضاً يجب ان تمتلك اداتها جميع عناصر القدرة الهجومية ومن ثم لابد وان يقوم الوضع الاستراتيجى لاسرائيل على توازن القوى وان يترجم الى التفوق العسكرى الذى يسمح للقدرة الإسرائيلية بالتحكم فى جميع اجزاء المنطقة قتالياً اى ان التفوق يفترض اسوأ الحالات وهى تجمع جميع القوى العسكرية العربية فى ارادة واحدة تحت قيادة واحدة
.
الركيزة الخامسة :الممارسة المضبوطة للعنف:-
الاستخدام المقيد للعنف هو محور الحروب المحدودة للصهيونية منذ بدايتها بل عقب انشاء اسرائيل حتى حرب 1956 اذ تعلمت ان تجعل حروبها دائماً بأهداف محددة سياسياً وعسكرياً . ان هذا يسمح لها بتكتيل كل قواها ثم بأسترداد أداة العنف قبل ان تتطور العمليات العسكرية الى مالا يحمد عقباه والواقع ان هذا التصور كان ايضاً خلف التمييز السابق ذكره بين الامن اليومى و"الامن الاساسى" الاول يواجه بعمليات محددة ومتعددة اما الثانى فهو الذى يعنى عملية التصعيد للحرب الكلية الشاملة .والواقع ان هذا التمييز ينبع من متغير اخر وهو عدم قدرة القيادة الاسرائيلية على منبع التسرب والعمليات الفدائية ومن ثم برز مفهوم "الثمن الغالى للدم اليهودى" رغم ذلك فقد كان من الطبيعى فى مثل هذا الاطار الفكرى تطور مفاهيم اخرى لا صلة لها بهذا الواقع : مفهوم "التصعيد الفكرى" ثم مفهوم "مسلسل العنف" واخيراً واهم من كل هذه المفاهيم هو مبدأ"رد الفعل المتدرج"وقد نختلف هنا قليلاً مع استاذنا حامد ربيع فى هذه الركيزة حيث ثبت فى العشرين عاماً الماضية (منذ وفاته 1989-2009) ان الممارسة الصهيونية للعنف والعدوان لم تعد مضبوطة بل صارت مطلقة وعشوائية ولنتأمل نموذجى حرب يوليو2006 وحرب يناير 2009 على غزة ودلالاتهما ، ربما يعود السبب الى تدهور القوة العربية وانهيار ركائز الامن القومى العربى بسبب عوامل عدة لعل ابرزها وهن وتخازل الانظمة العربية
الركيزة السادسة: الاتجاه الاستراتيجى ناحية المياه ولو بالحرب المسلحة:-وهذا البعد الثابت فى الاستراتيجية الامنية الإسرائيلية صار واضحاً بعد حرب 1948م وهو ما طبق عملياً على حرب الجنوب اللبنانى والاستيلاء على مياه "الليطانى" ثم انتصار حزب الله واسترداده لهذا النهر ولباقى مياه الجنوب ، وعلى بحيرة طبريا والجولان المحتل وعلى سرقة المياه الجوفية الفلسطينية وتسميم ما تبقى للفلسطينيين فى الضفة وغزة من أبار وانهار.
* هذه الركائز قدر لها ان تتغير على مستوى الشكل او الاليات منذ اقامة هذا الكيان عام 1948م وحتى اليوم 2009م ولكنها ظلت ثابتة لا تتغير ، على مستوى المضمون ان الذى تغير فقط هو هذا الضعف والوهن الرسمى العربى، الذى ادى الى انهيار كامل لمفهوم الامن القومى العربى ،والذى هو النقيض المباشر للامن الصهيونى .حتى تلك اللحظات المضيئة فى تاريخ الامن القومى العربى مثل حرب اكتوبر 1973م وانتصار حزب الله عام 2000 وعام 2006م وتهديده للامن الصهيونى من داخله وصمود المقاومة الفلسطينية عام 2009 تم إجهاضها جميعا من خلال التواطؤ والتشويه لقيم المقاومة وثقافتها ورجالها . وهو ما يجعلنا نظن –وليس كل الظن اثم – ان استاذنا العلامة حامد ربيع لو كان حياً بيننا ورأى ما نرى وعاش ما نعيش لأقدم من تلقاء نفسه على (الانتحار)... رحمه الله رحمة واسعة،وأفاد امتنا بعلمه ورؤيته الثاقبة لامنها ومستقبلها.(آمين
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم د.رفعت سيد أحمد
كان لى ،ولجيلى، حظ التعلم فى مدرسة (حامد ربيع) للعلوم السياسية فنحن حين دخلنا كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فى العام 1974 كان اسم العلامة الدكتور /حامد ربيع ملء السمع والبصر ، فهو الفقيه فى الفكر السياسى الاسلامى وهو العالم والمؤرخ القدير فى فهم طبيعة الصراع العربى الصهيونى، وآليات صنع القرار فيه وهو استاذ العلوم السلوكية والدراسات والحاصل على عدة درجات علمية فى هذا الفرع من الدراسات، على المستوى الدولى وهو فوق هذا وقبله استاذى واستاذ اجيال من الخبراء والعلماء والكتاب والباحثين فى الفكر العربى المعاصر الذين تتلمذوا على يديه حتى لحظات رحيله الدرامى عن عالمنا عام 1989؛ بعد نشره لدراستين خطيرتين فى صحافة ذلك الزمان الاولى (عن اختراق العقل المصري) فى الاهرام الاقتصادى والثانية عن (الحرب القادمة بين العرب وإسرائيل) فى صحيفة الوفد وإثر وفاته اثيرت شائعة ان الدراسةالاخيرة كانت سبباً فى وفاته لما تضمنته من اسرار مذهلة عما تخطط له إسرائيل وما لديها من أسلحة متقدمة وتفاصيل ووثائق التوطؤ الرسمى العربى معها؛ الامر الذى ادى الى "قتله" وهى شائعة نحسبها غير صحيحة وان ظل العداء الاسرائيلي للرجل حقيقة ثابتة تؤكدها الوثائق وتؤكدها السيرة العطرة المجاهدة لعالمنا وشيخنا الاستاذ الدكتور حامد ربيع .
اليوم نذهب لزيارته بعد ان نسيه الجميع تقريباً،وان كانت الزيارة من زاوية اخرى، انها زيارة لمؤلفاته الهامة عن الامن القومى العربى، وما يسمى بالامن القومى الاسرائيلى ،وهى زيارة تحتاجها امتنا اليوم وسط حالة التيه والبلبلة ، وصراع الصغار وتطاولهم حتى على المفاهيم المستقرة التى تعلمناها من علماء كبار مثل أستاذنا حامد ربيع، نحتاج اليوم وسط حالة التطبيع المجانى بين انظمة شاخت على مقاعدها وبين الكيان الصهيونى، أن نعيد الى الاذهان مجدداً حقيقة هذا العدو وطبيعته العدوانية وكيف يفهم ويدرك مفهوم الامن القومى لدولته والذى يتناقض جذرياً مع الامن القومى لهذه الامة، زيارة نحتاجها بعد ان تسيد المشهد الثقافى والاكاديمى والاعلامى العربى (والمصرى قبله) الصغار ،فكراً ودوراً وثقافة ولأنهم كذلك – صغار – رأوا كل شئ صغيراً بما فى ذلك امن وطنهم القومى الذى تقزم لديهم ليصير امن النظام بل احياناً أمن الحاكم وعائلته...
.
- تعالوا نستمع الى استاذنا حامد ربيع وهو يعلمنا ان الامن القومى للعدو الصهيونى يتبلور فى سبع ركائز رئيسية لاتتبدل ،الا فى الشكل وآليات التنفيذ ،وهى ركائز تعنى بالمقابل تدمير الامن القومى العربى وسنحاول هنا ان نضيف قليلاً الى رؤية استاذنا مع وضع التطورات التالية لرؤيته منذ وفاته والتى المت بالامة العربية حتى يومنا هذا 2009 فماذا عنها؟
يبلور د.حامد ربيع فى مؤلفاته إجمالاً وفى كتابه المتميز (نظرية الامن القومى العربى –دار الموقف العربى- 1984 ) ركائز الامن القومى الاسرائيلى فى الأتى:-
الركيزة الاولى: مفهوم الاعتماد على الذات:-
وهومفهوم قديم فى الممارسات اليهودية فى عالم الجيتو وعلى وجه التحديد فى شرق أوروبا،حمامات الدم المتجددة فرضت على الاقلية اليهودية وفقاً لحامد ربيع ألا تعتمد إلا على نفسها. وهو مفهوم انتقل مع اليهود المهاجرين الذين اغتصبوا فلسطين وقد دعم هذا المفهوم تقلبات السياسة البريطانية بين مشجع لليهود على الاستقرار على ارض فلسطين ومعارض لذلك، ارتفع ليصير جوهر الامن الاسرائيلى عقب انشاء اسرائيل فالدولة الجديدة تجد نفسها معزولة ومحاصرة فى جو من العداوة يذكر القيادات بما كانت الجماعات اليهودية تعانيه ايضاً فى جميع أجزاء أوروبا لقد اصبحت اسرائيل مجتمع الجيتو فى الاسرة الدولية، زاد من هذه الحقيقة عزل اسرائيل دولياً فى اكثر من موقف واحد عبر تاريخها ولعل اكثرها وضوحاً القرار الدولى باعتبار الصهيونية نوع من انواع التعصب العنصرى عام 1975م وقد ترتب على هذا المفهوم مجموعة من النتائج الخطيرة أبرزها النظرة الى الصراع العربى الإسرائيلى على انه حقيقة لا يمكن الغاؤها او التهرب منها ، انها ابدية مثل ابدية المهجر اليهودى لانه حقيقة معطاه وهو مفروض على الإرادة الإسرائيلية وكل ما تستطيعه أن تخطط تعاملها مع ذلك الصراع وفى هذا السياق يرى ربيع ان مجرد الحديث عن سلام حقيقى عربى إسرائيلى هو نوع من الحديث الدعائي البعيد الصلة عن الواقع السياسى.
الركيزة الثانية :مبدأ الحرب المستمرة:-
وهذه الركيزة هى نتيجة منطقية لحقيقة العلاقات بين الجانب الإسرائيلى والعالم العربى رغم اتفاقيات كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقات العربية الاسرائيلية وهذا المفهوم أدى الى نتيجتين:
من جانب فإن حالة الحرب القائمة والمستمرة و من الممكن ان تتبلور بمجرد إجراء يأتيه الخصم يكشف عن تلك الحالة .لقد سبق ان رأينا هذا فى أغلاق مضيق تيران ، دخول قوات هجومية مصرية فى سيناء ،حدوث تحالف بين اى دولتين من الدول المحيطة بإسرائيل وعلى وجه التحديد مصر والاردن وسوريا.
ومن جانب اخر ان اساس العقيدة القتالية الإسرائيلية هو مفهوم الامة المحاربة ومعنى ذلك انه ليست هناك تفرقة بين الجندى المهنى والمواطن الجندى، ان كل امرأة هى مقاتلة ،وكل رجل على استعداد للقتال وكل منزل قلعة و جميع المدنيين هم مقاتلون،وجنود وهم جزءاً لا يتجزأ مما يسمى بجيش الدفاع عن الوطن فى لحظة المواجهة
الركيزة الثالثة :الحرب الوقائية:
-
الحرب القائمة أوالمستمرة من جانب ثم الاطار الضيق لامن اسرائيل بسبب اوضاعها الديموجرافية والجغرافية كان لابد وان يقود فى لحظة معينة الى تسرب مفهوم الحرب الوقائية، المتغير الاساسى هو ما يسمى بالزمن العسكرى والقدرة و الاستعداد لمواجهة احتمالات صدام مع العدو فالزمن العسكرى دائماً كان فى صالح الجانب العربى وبصفة خاصة قبل 1967م ، ومن ثم كان من الطبيعى وقد سبق ورأينا جوهر أن الفكر الإسرائيلى العسكرى يقوم على عدم الاعتماد الا على النفس ،ان تصوغ هذا البناء الذى فى جوهره الخروج على جميع مفاهيم التعامل الدولى فى تقاليده المعاصرة .
والمتتبع لهذا المفهوم يجد أنه قد مربعدة مراحل ففى الخمسينات كان يعبر عنه بالدفاع النشط والذى يعنى تتبع اى محاولة لاختراق الحدود الاسرائيلية بالحساب المضاعف للدولة التى جاءت منها العمليات موضع الحساب وفى مرحلة ثانية بدأ الحديث عن الضربة المجهضة والتى لا تعدو عملية محدودة فى ابعادها ليس لها من محور سوى القضاء على سلاح معين يمثل خطورة معينة وهى النظرية التى طبقت فى تدمير المفاعل النووى بالقرب من بغداد (والتى ربما تطبق على ايران هذا العام 2009) ولكن فى لحظة ما ارتفع المفهوم فإذا به يصل الى الحرب الوقائية التى تعنى شن حرب كاملة لمجرد التحرز والاحتياط ازاء خطر متوقع وهو ما حدث عام 1967م ثم الحروب التى تلتها وخاصة حربى لبنان وغزة 2006-و2009
.
الركيزة الرابعة :توازن القوى
وهنا يرى د.حامد ربيع أن حروب اسرائيل العدوانية فرضت عليها ان تكون ليست فقط فى حاجة الى اداة دفاعية بل ايضاً يجب ان تمتلك اداتها جميع عناصر القدرة الهجومية ومن ثم لابد وان يقوم الوضع الاستراتيجى لاسرائيل على توازن القوى وان يترجم الى التفوق العسكرى الذى يسمح للقدرة الإسرائيلية بالتحكم فى جميع اجزاء المنطقة قتالياً اى ان التفوق يفترض اسوأ الحالات وهى تجمع جميع القوى العسكرية العربية فى ارادة واحدة تحت قيادة واحدة
.
الركيزة الخامسة :الممارسة المضبوطة للعنف:-
الاستخدام المقيد للعنف هو محور الحروب المحدودة للصهيونية منذ بدايتها بل عقب انشاء اسرائيل حتى حرب 1956 اذ تعلمت ان تجعل حروبها دائماً بأهداف محددة سياسياً وعسكرياً . ان هذا يسمح لها بتكتيل كل قواها ثم بأسترداد أداة العنف قبل ان تتطور العمليات العسكرية الى مالا يحمد عقباه والواقع ان هذا التصور كان ايضاً خلف التمييز السابق ذكره بين الامن اليومى و"الامن الاساسى" الاول يواجه بعمليات محددة ومتعددة اما الثانى فهو الذى يعنى عملية التصعيد للحرب الكلية الشاملة .والواقع ان هذا التمييز ينبع من متغير اخر وهو عدم قدرة القيادة الاسرائيلية على منبع التسرب والعمليات الفدائية ومن ثم برز مفهوم "الثمن الغالى للدم اليهودى" رغم ذلك فقد كان من الطبيعى فى مثل هذا الاطار الفكرى تطور مفاهيم اخرى لا صلة لها بهذا الواقع : مفهوم "التصعيد الفكرى" ثم مفهوم "مسلسل العنف" واخيراً واهم من كل هذه المفاهيم هو مبدأ"رد الفعل المتدرج"وقد نختلف هنا قليلاً مع استاذنا حامد ربيع فى هذه الركيزة حيث ثبت فى العشرين عاماً الماضية (منذ وفاته 1989-2009) ان الممارسة الصهيونية للعنف والعدوان لم تعد مضبوطة بل صارت مطلقة وعشوائية ولنتأمل نموذجى حرب يوليو2006 وحرب يناير 2009 على غزة ودلالاتهما ، ربما يعود السبب الى تدهور القوة العربية وانهيار ركائز الامن القومى العربى بسبب عوامل عدة لعل ابرزها وهن وتخازل الانظمة العربية
الركيزة السادسة: الاتجاه الاستراتيجى ناحية المياه ولو بالحرب المسلحة:-وهذا البعد الثابت فى الاستراتيجية الامنية الإسرائيلية صار واضحاً بعد حرب 1948م وهو ما طبق عملياً على حرب الجنوب اللبنانى والاستيلاء على مياه "الليطانى" ثم انتصار حزب الله واسترداده لهذا النهر ولباقى مياه الجنوب ، وعلى بحيرة طبريا والجولان المحتل وعلى سرقة المياه الجوفية الفلسطينية وتسميم ما تبقى للفلسطينيين فى الضفة وغزة من أبار وانهار.
* هذه الركائز قدر لها ان تتغير على مستوى الشكل او الاليات منذ اقامة هذا الكيان عام 1948م وحتى اليوم 2009م ولكنها ظلت ثابتة لا تتغير ، على مستوى المضمون ان الذى تغير فقط هو هذا الضعف والوهن الرسمى العربى، الذى ادى الى انهيار كامل لمفهوم الامن القومى العربى ،والذى هو النقيض المباشر للامن الصهيونى .حتى تلك اللحظات المضيئة فى تاريخ الامن القومى العربى مثل حرب اكتوبر 1973م وانتصار حزب الله عام 2000 وعام 2006م وتهديده للامن الصهيونى من داخله وصمود المقاومة الفلسطينية عام 2009 تم إجهاضها جميعا من خلال التواطؤ والتشويه لقيم المقاومة وثقافتها ورجالها . وهو ما يجعلنا نظن –وليس كل الظن اثم – ان استاذنا العلامة حامد ربيع لو كان حياً بيننا ورأى ما نرى وعاش ما نعيش لأقدم من تلقاء نفسه على (الانتحار)... رحمه الله رحمة واسعة،وأفاد امتنا بعلمه ورؤيته الثاقبة لامنها ومستقبلها.(آمين