منهج ابن تيمية في الدعوة
________________________________________
الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وأشكره على أن وفقني على إتمام هذا الجهد العلمي المبارك إن شاء الله، والذي أتاح لي أن أعيش في سويداء المكتبة التيمية لمدة خمس سنوات، وقد تمكنت من قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية بعضها قراءة دقيقة، وبعضها قراءة استطلاع ونظر.
وكنت حريصاً على تدوين كل ما أجده يخدم الدعوة في أي جانب من جوانبها حتى ولو لم يكن داخلاً في موضوع الرسالة، فتكّون لدي والحمد لله ثروة نصية من مؤلفات ابن تيمية في عدد من المواضيع سوف أعمل جهدي على أن تكون بين يدي القارئ إن شاء الله تعالى.
وكان من أعظم ثمرات هذا الوقت في المكتبة التيمية أنني خرجت بتصور كبير ينشرح له الصدر عن منهج السلف في الدعوة إلى الله تعالى وما يلزم للداعية في الجوانب العلمية والعملية.
وهذه الرسالة التي بين يديك تكشف لك هذا المنهج بجوانبه النظرية والعملية.
وأرى من المناسب أن أضع بين يديك بعض ثمرات هذه الرسالة:
أولاً: الباب الأول:
فيه كثير من جوانب المنهج النظري العلمي للدعوة إلى الله تعالى عند ابن تيمية ومما جاء فيه:
1ـ التأكيد على اللغة العربية وأنها مهمة بين المسلمين لفهم الكتاب والسنة، وتبين لنا أن من أبرز أسباب الاختلاف بين علماء المسلمين وطوائفهم غير المشبوهة هو عدم فهم لغة القرآن ولغة الرسول e ولغة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد رسم منهجاً للاستدلال وفهم الأدلة.
2ـ الاستدلال يكون بالأدلة النقلية والعقلية والدليل العقلي هو دليل شرعي والذي يقابل الدليل الشرعي هو الدليل البدعي.
3ـ فهم الأدلة يكون وفق لغة من صدر منه الدليل. ونستطيع تحديد لغته بالرجوع إلى اللفظ في كل موطن ذكره وننظر لأي شيء كان يستعمله، ونحدد دلالته في لغة المتكلم به، فإذا ورد هذا اللفظ من قوله علمنا مراده به.
4ـ ويكون فهم لفظ المتكلم في عصره الذي عاش فيه لأن الألفاظ والمصطلحات قد أضيف إليها معاني لم تكن عند السلف، أو تبدلت معانيها عما كان عليه السلف، فلما جاء الخلف لتقرير الحقائق العقدية وغيرها فهموا المصطلحات على ضوء ما عندهم من المعاني، ظانين أن السلف كانوا يستعملون المصطلح لهذا المعنى، وهذا سبب أن كل من ضل عن منهج السلف كان يظن أنه على منهجهم لأنهم استعملوا نفس مصطلحاتهم.
5ـ ونتج لنا أهمية العناية بالمصطلحات والألفاظ وتحديد معانيها، لأنه استطاع أقوام أن يدلسوا على المسلمين باستعمال ألفاظ إسلامية لمعاني فلسفية، وكثيراً ما كانوا يستعملون الألفاظ والمصطلحات الإسلامية ذات المعاني المشتركة والدلالة المجملة.
فإذا كانوا عند من لا يدرك المعاني الإسلامية ويمكن أن يقبل منهم أظهروا له ما يريدون من المعاني المخالفة لما تدل عليه هذه المصطلحات عند المسلمين.
6ـ وتقرر أنه لا يحل نزاع الأمة إلا كتاب منزل يحتكم الجميع إليه لأنه هو المهيمن، والعقول لا يمكن أن تفصل النزاع لأنَّ لكلِّ عقلاً، وليس هناك عقل معصوم من عقول سائر الناس يمكن اللجوء إليه لِفَضّ الخلاف. فلا بد للدعاة إذا أرادوا أن ينهوا نزاع الأمة ونزاع جماعتها أن يكون ميزانهم الكتاب والسنة.
7ـ ومن المميزات البارزة في هذه الدعوة: الشمول لأنواع العلوم والمعارف، ولجوانب الفكر كلها، وكذلك الشمول لأنواع المدعوين من المسلمين وغير المسلمين، حاكمين، ومحكومين، فجاءت دعوته تجربة رائدة ذات خبرات ميدانية واسعة، مما جلعها عظيمة النفع للدعوات الإصلاحية.
وهذا الشمول جعلنا نجد له نظريات وآراء في أغلب ميادين الحياة. فصار ليس غريباً أن تجد كل حركة إصلاحية ما تبغيه من ابن تيمية فتقبس منه قبسة أو قبسات تسترشد بها في مسيرتها.
8ـ التميز وحسم القضايا والوضوح في الأهداف والمقاصد. وإعلان موقفه من كل المخالفات التي في المجتمع الإسلامي، أو في الدولة سواء في مصر، أو الشام. ومعالجة تلك الأدواء بعد أن تتبع أسباب حدوثها، كل هذا وغيره جعل دعوته تسلم من الغموض والتذبذب، ومن ثم صارت أمام الناس في عصره وبعده إلى يومنا هذا واضحة المعالم مضيئة الأركان والجوانب، من كان له قلب سليم قبِلها، ومن له قلب مشرب بالبدع والأهواء أو النفاق خاصمها ونابذها العداء.
9ـ المرأة جزء من هذا المجتمع الذي يلزم دعوته والعناية به، بل إصلاحها له أهيمة قصوى في إصلاح المجتمع، فتحصّل في هذه الرسالة قواعد منهجية، ونظريات واقعية، ودراسات نفسية للمرأة، ينتظم من خلالها إرساء خطة عملية قويمة لإصلاح المرأة، وأعظم بداية لهذا الإصلاح أن يكون منذ الصغر في فترة القوة التقليدية غير المستبصرة.
وأكّد على أن إصلاح المرأة لا يتم بمعزل عن إصلاح الرجل، بل إن عمليتي الإصلاح تسيران معاً نظراً لوجود الارتباط العاطفي والقلبي، والاجتماعي بين هاتين الفئتين المكملتين لبعض.
10ـ قدم دراسة عظيمة القدر عن الأسباب والمسببات، مما يعطي أهمية كبيرة لمعرفة الداعية للمؤثرات وما ينتج عنها، فيكون لديه البصيرة في وقاية الأمة ومجتمعاتها من الأدواء والفتن، ويجنبها مخاطر الانزلاقات المفسدة، والمهلكة.
11ـ مما أبرز دعوة ابن تيمية وجعلها قوية التأثير تلك النظرة الواقعية للإنسان والمجتمع والحياة كلها، يضاف إلى هذا سعة الأفق في التعامل مع النصوص الشرعية وربطها بالواقع، والحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد، ووضع منهجاً يتم به التعامل مع هذا الإنسان لإصلاحه فجاء هذا المنهج مؤسساً على وعي، ومعرفة واسعة بطبيعة النفس البشرية وما يكتنفها ويؤثر في تصرفاتها من داخلها وخارجها.
12ـ ابن تيمية من العلماء القلائل الذين اهتموا بمسألة الفروق الفردية بين الناس، فكان رحمه الله مدركاً لها، وقد أسس تعامله مع الناس على ضوء اعتبار هذه الفروق الفردية وهذا منهج من مناهج السلف رحمهم الله تولاه ابن تيمية بالدراسة، والإيضاح، وأبرزه إلى واقع الدعوة بسلوك عملي.
13ـ نظراً لمعرفة ابن تيمية بالطبيعة البشرية، وإدراكه للفروق الفردية، وتوزع القدرات بين الناس، فإنه خرج بنظرية دعا إليها الدعاة والعلماء وعموم الأمة وهي: تقسيط الدعوة بين أفراد الأمة. فكل فرد أو جماعة من الأمة يحمل من واجب الدعوة حملاً على حسب قدراته، وإمكاناته، وما أودعه الله فيه من مواهب، ويصبح ما التزمه مما يحسنه في جانب الدعوة في حقه ألزم وأوجب، ولا بد أن يكون كل من حمل واجباً من الواجبات مقدراً أن هذا ليس هو كل الواجب فيشعر بحاجته إلى إخوانه الآخرين، وبهذا تتكامل الأمة، ومن مجموع هذه الواجبات المقسّطة بين هؤلاء يتكون مجموع متكامل للدعوة.
14ـ قرر الاهتمام بالبدائل لأن النفوس إذا منعت من شيء لا تبقى فارغة لأنها خلقت لتعمل لا لتترك، فإذا لم يُقدم لها البديل النافع فإنها قد تشتغل بضده، وقد تعمل بأسوأ مما منعت منه.
15ـ قدم نظرية للدعاة عندما يريدون مخاطبة المدعوين، فعليهم أن يراعوا أصول الحسنات وأصول السيئات، فعند الأمر بفعل الحسنات يأمر بالأصول التي فعل واحد منها يترتب عليه فعل كثير من الفروع، وأثناء
________________________________________
الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وأشكره على أن وفقني على إتمام هذا الجهد العلمي المبارك إن شاء الله، والذي أتاح لي أن أعيش في سويداء المكتبة التيمية لمدة خمس سنوات، وقد تمكنت من قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية بعضها قراءة دقيقة، وبعضها قراءة استطلاع ونظر.
وكنت حريصاً على تدوين كل ما أجده يخدم الدعوة في أي جانب من جوانبها حتى ولو لم يكن داخلاً في موضوع الرسالة، فتكّون لدي والحمد لله ثروة نصية من مؤلفات ابن تيمية في عدد من المواضيع سوف أعمل جهدي على أن تكون بين يدي القارئ إن شاء الله تعالى.
وكان من أعظم ثمرات هذا الوقت في المكتبة التيمية أنني خرجت بتصور كبير ينشرح له الصدر عن منهج السلف في الدعوة إلى الله تعالى وما يلزم للداعية في الجوانب العلمية والعملية.
وهذه الرسالة التي بين يديك تكشف لك هذا المنهج بجوانبه النظرية والعملية.
وأرى من المناسب أن أضع بين يديك بعض ثمرات هذه الرسالة:
أولاً: الباب الأول:
فيه كثير من جوانب المنهج النظري العلمي للدعوة إلى الله تعالى عند ابن تيمية ومما جاء فيه:
1ـ التأكيد على اللغة العربية وأنها مهمة بين المسلمين لفهم الكتاب والسنة، وتبين لنا أن من أبرز أسباب الاختلاف بين علماء المسلمين وطوائفهم غير المشبوهة هو عدم فهم لغة القرآن ولغة الرسول e ولغة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد رسم منهجاً للاستدلال وفهم الأدلة.
2ـ الاستدلال يكون بالأدلة النقلية والعقلية والدليل العقلي هو دليل شرعي والذي يقابل الدليل الشرعي هو الدليل البدعي.
3ـ فهم الأدلة يكون وفق لغة من صدر منه الدليل. ونستطيع تحديد لغته بالرجوع إلى اللفظ في كل موطن ذكره وننظر لأي شيء كان يستعمله، ونحدد دلالته في لغة المتكلم به، فإذا ورد هذا اللفظ من قوله علمنا مراده به.
4ـ ويكون فهم لفظ المتكلم في عصره الذي عاش فيه لأن الألفاظ والمصطلحات قد أضيف إليها معاني لم تكن عند السلف، أو تبدلت معانيها عما كان عليه السلف، فلما جاء الخلف لتقرير الحقائق العقدية وغيرها فهموا المصطلحات على ضوء ما عندهم من المعاني، ظانين أن السلف كانوا يستعملون المصطلح لهذا المعنى، وهذا سبب أن كل من ضل عن منهج السلف كان يظن أنه على منهجهم لأنهم استعملوا نفس مصطلحاتهم.
5ـ ونتج لنا أهمية العناية بالمصطلحات والألفاظ وتحديد معانيها، لأنه استطاع أقوام أن يدلسوا على المسلمين باستعمال ألفاظ إسلامية لمعاني فلسفية، وكثيراً ما كانوا يستعملون الألفاظ والمصطلحات الإسلامية ذات المعاني المشتركة والدلالة المجملة.
فإذا كانوا عند من لا يدرك المعاني الإسلامية ويمكن أن يقبل منهم أظهروا له ما يريدون من المعاني المخالفة لما تدل عليه هذه المصطلحات عند المسلمين.
6ـ وتقرر أنه لا يحل نزاع الأمة إلا كتاب منزل يحتكم الجميع إليه لأنه هو المهيمن، والعقول لا يمكن أن تفصل النزاع لأنَّ لكلِّ عقلاً، وليس هناك عقل معصوم من عقول سائر الناس يمكن اللجوء إليه لِفَضّ الخلاف. فلا بد للدعاة إذا أرادوا أن ينهوا نزاع الأمة ونزاع جماعتها أن يكون ميزانهم الكتاب والسنة.
7ـ ومن المميزات البارزة في هذه الدعوة: الشمول لأنواع العلوم والمعارف، ولجوانب الفكر كلها، وكذلك الشمول لأنواع المدعوين من المسلمين وغير المسلمين، حاكمين، ومحكومين، فجاءت دعوته تجربة رائدة ذات خبرات ميدانية واسعة، مما جلعها عظيمة النفع للدعوات الإصلاحية.
وهذا الشمول جعلنا نجد له نظريات وآراء في أغلب ميادين الحياة. فصار ليس غريباً أن تجد كل حركة إصلاحية ما تبغيه من ابن تيمية فتقبس منه قبسة أو قبسات تسترشد بها في مسيرتها.
8ـ التميز وحسم القضايا والوضوح في الأهداف والمقاصد. وإعلان موقفه من كل المخالفات التي في المجتمع الإسلامي، أو في الدولة سواء في مصر، أو الشام. ومعالجة تلك الأدواء بعد أن تتبع أسباب حدوثها، كل هذا وغيره جعل دعوته تسلم من الغموض والتذبذب، ومن ثم صارت أمام الناس في عصره وبعده إلى يومنا هذا واضحة المعالم مضيئة الأركان والجوانب، من كان له قلب سليم قبِلها، ومن له قلب مشرب بالبدع والأهواء أو النفاق خاصمها ونابذها العداء.
9ـ المرأة جزء من هذا المجتمع الذي يلزم دعوته والعناية به، بل إصلاحها له أهيمة قصوى في إصلاح المجتمع، فتحصّل في هذه الرسالة قواعد منهجية، ونظريات واقعية، ودراسات نفسية للمرأة، ينتظم من خلالها إرساء خطة عملية قويمة لإصلاح المرأة، وأعظم بداية لهذا الإصلاح أن يكون منذ الصغر في فترة القوة التقليدية غير المستبصرة.
وأكّد على أن إصلاح المرأة لا يتم بمعزل عن إصلاح الرجل، بل إن عمليتي الإصلاح تسيران معاً نظراً لوجود الارتباط العاطفي والقلبي، والاجتماعي بين هاتين الفئتين المكملتين لبعض.
10ـ قدم دراسة عظيمة القدر عن الأسباب والمسببات، مما يعطي أهمية كبيرة لمعرفة الداعية للمؤثرات وما ينتج عنها، فيكون لديه البصيرة في وقاية الأمة ومجتمعاتها من الأدواء والفتن، ويجنبها مخاطر الانزلاقات المفسدة، والمهلكة.
11ـ مما أبرز دعوة ابن تيمية وجعلها قوية التأثير تلك النظرة الواقعية للإنسان والمجتمع والحياة كلها، يضاف إلى هذا سعة الأفق في التعامل مع النصوص الشرعية وربطها بالواقع، والحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد، ووضع منهجاً يتم به التعامل مع هذا الإنسان لإصلاحه فجاء هذا المنهج مؤسساً على وعي، ومعرفة واسعة بطبيعة النفس البشرية وما يكتنفها ويؤثر في تصرفاتها من داخلها وخارجها.
12ـ ابن تيمية من العلماء القلائل الذين اهتموا بمسألة الفروق الفردية بين الناس، فكان رحمه الله مدركاً لها، وقد أسس تعامله مع الناس على ضوء اعتبار هذه الفروق الفردية وهذا منهج من مناهج السلف رحمهم الله تولاه ابن تيمية بالدراسة، والإيضاح، وأبرزه إلى واقع الدعوة بسلوك عملي.
13ـ نظراً لمعرفة ابن تيمية بالطبيعة البشرية، وإدراكه للفروق الفردية، وتوزع القدرات بين الناس، فإنه خرج بنظرية دعا إليها الدعاة والعلماء وعموم الأمة وهي: تقسيط الدعوة بين أفراد الأمة. فكل فرد أو جماعة من الأمة يحمل من واجب الدعوة حملاً على حسب قدراته، وإمكاناته، وما أودعه الله فيه من مواهب، ويصبح ما التزمه مما يحسنه في جانب الدعوة في حقه ألزم وأوجب، ولا بد أن يكون كل من حمل واجباً من الواجبات مقدراً أن هذا ليس هو كل الواجب فيشعر بحاجته إلى إخوانه الآخرين، وبهذا تتكامل الأمة، ومن مجموع هذه الواجبات المقسّطة بين هؤلاء يتكون مجموع متكامل للدعوة.
14ـ قرر الاهتمام بالبدائل لأن النفوس إذا منعت من شيء لا تبقى فارغة لأنها خلقت لتعمل لا لتترك، فإذا لم يُقدم لها البديل النافع فإنها قد تشتغل بضده، وقد تعمل بأسوأ مما منعت منه.
15ـ قدم نظرية للدعاة عندما يريدون مخاطبة المدعوين، فعليهم أن يراعوا أصول الحسنات وأصول السيئات، فعند الأمر بفعل الحسنات يأمر بالأصول التي فعل واحد منها يترتب عليه فعل كثير من الفروع، وأثناء