ميز الله الإنسان بالعقل ..
بقلم : د.عمرو عبد الباري
ميز الله الإنسان بالعقل ..
هذه العبارة نسمعها ونرددها كثيرا ، وكانت عندها هذه الوقفة وبدأ من عندها طيف التأمل ..
سؤال تردد في أنحاء فكري ، ما هي وظيفة هذا العقل ؟
فكانت الاجابة أسرع ظهوراً من السؤال ، وجدت عقلي يبعثها الى نفسي مؤكدًا أن وظيفته هي التفكير، فكان الإستنتاج المنطقي ، وتبدلت ألفاظ العبارة في عقلي لتحمل معها موجة هائلة من التساؤلات والتأملات ، تبدلت العبارة إلى
(ميز الله الإنسان بالفكر ) ، ومضى العقل يبعث إليّ ببراهينه على صدق هذه الاجابة فكان قول الله عز وجل :
” هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” ، ثم أردف بقول الله تعالى ” أفلا تتفكرون ”
وما كدت انتهي من بحث هذه الحجة إلا تلقاني قول الله عز وجل ” لعلكم تتفكرون ” ، الى هنا أدركت أن العقل نعمة وظيفتها الفكر ، والفكر وظيفة ميز الله بها الإنسان بل أمره بها أمراً صريحاً وارتقى الأمر إلى ان أصبح مقياساً لتفضيل البشر بعضهم على بعض .
فمن ترك الفكر وآثر الركون والدعة ونام على ضفاف التبعية والخمول فقد أعلن إضرابا على هذا التفضيل وأعلن رضاه عن المساواة بغيره من المخلوقات
وكيف لا ؟ و قد عطل هذه الموهبة التي وهبها الله له ، وفضله بها على غيره.
ومن المآسي التي ابتلينا بها في هذا العصر هي اعتقاد سائد بين الشباب من أبناء هذه الامة بل وإن شئت قل من أبناء الحركة الاسلامية كذلك ، قناعة داخلية تجزم بأن ميدان الفكر محاط بأسوار عالية من الأسلاك الشائكة لا يتخطاها إلا أُناس لهم من القدرات ما لهم ولهم من العلم ما يعجز الكثيرون عن الإتيان بمثله ، ينظرون الى أصحاب الفكر والرأي وكأنهم كتيبة من أصحاب القدرات الخارقة والملكات الفريدة ، فما كان منهم الا أن عاشوا حياة لا فكر فيها ولا عقل ، ورضوا لأنفسهم المقام في مقاعد المتلقي على طول الخط ، لا يجرؤ أحدهم أن يعتلي منصة الحديث ولو حتى أمام نفسه ، فدب الركود في أيامهم واقتحم الجدب افاق اعمالهم وروى الفتور مناشطهم بماءٍ حميم ، ووقفوا أمام الملمات عاجزين ، ينتظرون صاحب الفكر الخارق الذي تكونت صورته في خيالهم ليخرجهم من هذه المعضلات.
إن ميدان الفكر ميدان خصب رحيب يقبل كل إنسان عاقل ، بل لا تكتمل آدمية الانسان الا اذا دخل هذا الميدان وكان له فيه من الجولات ما يجعل منه عنصرا رائعا في مجتمعه وبين أقرانه ، له رأيه ورؤيته ، تكونت له ذات مستقله حبلى ، تحمل آماله وأحلامه وتقتات من ثقافته وواقعه حتى يأتي مخاضها فتضع مستقبلاً مليئاً بالخير وكلما وضعت مولوداً ازداد شوقها الى آخر ، وهؤلاء هم الذين يصنعون هذه الحياة فالحياة ما هي إلا مولود يحيا في أرحام هذه العقول التي خلقت لتفكر لا ليفكر لها غيرها.
لست أنكر أبدا أن الفكر يحتاج الى علم ، ولكني أثبت أيضا ان العلم يحتاج إلى فكر ، فهما صديقان يسيران معاً ، يقودك كل منهما إلى صاحبه لا تبالي بأيهما بدأت ، فإذا أطلقت عقلك مفكراً متاملاً ، برزت التساؤلات وألحت الاستفسارات البعيدة فلن تجد ملاذاً إلا أوراق الكتب ومجالسة أهل العلم وكلما عانقت هذا العلم كشفت لك من الامور ما يستحث فكرك على النهوض والنفير..
الفكر ليس هذه الألفاظ الفخمة والعبارات المنمقة ، ولا هذه الفلسفات العقيمة التي لا تأتي بخير ، فهذه لا تعدو الا أن تكون مظاهر كاذبة و “ديكورات” خادعة لاتنم إلا عن ضحالة وخواء ، ولكني أقصد هذا الفكر الهادئ العميق الذي ينظر الى تلك الحياة وكأنها مجموعة لانهائية من التساؤلات التي تبحث عن إجابة فإذا ما أوحى وحى عقله إليه بأحدها لا يطمئن الا إذا أنزلها حيز التجريب والاختبار فيبثها عقله الى روحه ومنها إلى واقعه فيراها غيره كيانا ًماثلاً أمامه متحدثا عن نفسه وقد استغنى عن أحاديث غيره عنه ولو كان هذا الغير هو صاحب الفكرة ..
فهيا بنا نخوض هذا الميدان الرحب ، ننطلق في آفاق التأمل والفكر بعقول تؤمن أنها خلقت لتفكر ، نقتحم بها كل زاوية مظلمة ، نجعل من أنظارنا وقلوبنا وقوداً لهذه الافكار ، نأخذ بعنانها في ميدان الحياة لتهذب أرواحنا وتقود أفعالنا ، وعند ذلك تكون النهضة ويكون النجاح ، ويكون ذلك الجيل الذي كتب الله النصر على يديه..
بقلم : د.عمرو عبد الباري
ميز الله الإنسان بالعقل ..
هذه العبارة نسمعها ونرددها كثيرا ، وكانت عندها هذه الوقفة وبدأ من عندها طيف التأمل ..
سؤال تردد في أنحاء فكري ، ما هي وظيفة هذا العقل ؟
فكانت الاجابة أسرع ظهوراً من السؤال ، وجدت عقلي يبعثها الى نفسي مؤكدًا أن وظيفته هي التفكير، فكان الإستنتاج المنطقي ، وتبدلت ألفاظ العبارة في عقلي لتحمل معها موجة هائلة من التساؤلات والتأملات ، تبدلت العبارة إلى
(ميز الله الإنسان بالفكر ) ، ومضى العقل يبعث إليّ ببراهينه على صدق هذه الاجابة فكان قول الله عز وجل :
” هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” ، ثم أردف بقول الله تعالى ” أفلا تتفكرون ”
وما كدت انتهي من بحث هذه الحجة إلا تلقاني قول الله عز وجل ” لعلكم تتفكرون ” ، الى هنا أدركت أن العقل نعمة وظيفتها الفكر ، والفكر وظيفة ميز الله بها الإنسان بل أمره بها أمراً صريحاً وارتقى الأمر إلى ان أصبح مقياساً لتفضيل البشر بعضهم على بعض .
فمن ترك الفكر وآثر الركون والدعة ونام على ضفاف التبعية والخمول فقد أعلن إضرابا على هذا التفضيل وأعلن رضاه عن المساواة بغيره من المخلوقات
وكيف لا ؟ و قد عطل هذه الموهبة التي وهبها الله له ، وفضله بها على غيره.
ومن المآسي التي ابتلينا بها في هذا العصر هي اعتقاد سائد بين الشباب من أبناء هذه الامة بل وإن شئت قل من أبناء الحركة الاسلامية كذلك ، قناعة داخلية تجزم بأن ميدان الفكر محاط بأسوار عالية من الأسلاك الشائكة لا يتخطاها إلا أُناس لهم من القدرات ما لهم ولهم من العلم ما يعجز الكثيرون عن الإتيان بمثله ، ينظرون الى أصحاب الفكر والرأي وكأنهم كتيبة من أصحاب القدرات الخارقة والملكات الفريدة ، فما كان منهم الا أن عاشوا حياة لا فكر فيها ولا عقل ، ورضوا لأنفسهم المقام في مقاعد المتلقي على طول الخط ، لا يجرؤ أحدهم أن يعتلي منصة الحديث ولو حتى أمام نفسه ، فدب الركود في أيامهم واقتحم الجدب افاق اعمالهم وروى الفتور مناشطهم بماءٍ حميم ، ووقفوا أمام الملمات عاجزين ، ينتظرون صاحب الفكر الخارق الذي تكونت صورته في خيالهم ليخرجهم من هذه المعضلات.
إن ميدان الفكر ميدان خصب رحيب يقبل كل إنسان عاقل ، بل لا تكتمل آدمية الانسان الا اذا دخل هذا الميدان وكان له فيه من الجولات ما يجعل منه عنصرا رائعا في مجتمعه وبين أقرانه ، له رأيه ورؤيته ، تكونت له ذات مستقله حبلى ، تحمل آماله وأحلامه وتقتات من ثقافته وواقعه حتى يأتي مخاضها فتضع مستقبلاً مليئاً بالخير وكلما وضعت مولوداً ازداد شوقها الى آخر ، وهؤلاء هم الذين يصنعون هذه الحياة فالحياة ما هي إلا مولود يحيا في أرحام هذه العقول التي خلقت لتفكر لا ليفكر لها غيرها.
لست أنكر أبدا أن الفكر يحتاج الى علم ، ولكني أثبت أيضا ان العلم يحتاج إلى فكر ، فهما صديقان يسيران معاً ، يقودك كل منهما إلى صاحبه لا تبالي بأيهما بدأت ، فإذا أطلقت عقلك مفكراً متاملاً ، برزت التساؤلات وألحت الاستفسارات البعيدة فلن تجد ملاذاً إلا أوراق الكتب ومجالسة أهل العلم وكلما عانقت هذا العلم كشفت لك من الامور ما يستحث فكرك على النهوض والنفير..
الفكر ليس هذه الألفاظ الفخمة والعبارات المنمقة ، ولا هذه الفلسفات العقيمة التي لا تأتي بخير ، فهذه لا تعدو الا أن تكون مظاهر كاذبة و “ديكورات” خادعة لاتنم إلا عن ضحالة وخواء ، ولكني أقصد هذا الفكر الهادئ العميق الذي ينظر الى تلك الحياة وكأنها مجموعة لانهائية من التساؤلات التي تبحث عن إجابة فإذا ما أوحى وحى عقله إليه بأحدها لا يطمئن الا إذا أنزلها حيز التجريب والاختبار فيبثها عقله الى روحه ومنها إلى واقعه فيراها غيره كيانا ًماثلاً أمامه متحدثا عن نفسه وقد استغنى عن أحاديث غيره عنه ولو كان هذا الغير هو صاحب الفكرة ..
فهيا بنا نخوض هذا الميدان الرحب ، ننطلق في آفاق التأمل والفكر بعقول تؤمن أنها خلقت لتفكر ، نقتحم بها كل زاوية مظلمة ، نجعل من أنظارنا وقلوبنا وقوداً لهذه الافكار ، نأخذ بعنانها في ميدان الحياة لتهذب أرواحنا وتقود أفعالنا ، وعند ذلك تكون النهضة ويكون النجاح ، ويكون ذلك الجيل الذي كتب الله النصر على يديه..