أبو حاتم الفلسطيني
بلِيّة الدِّينِ
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترةً من الرُّسل بقايا من أهل العلم يدْعون من ضلّ إلى الهُدَى، ويصبِرُون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العَمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائه هدَوه، فما أحسن أثَرَهم على النّاس وأقبحَ أثرَ النّاس عليهم! يَنفُون عن كتاب الله تحريف الغالِين وانتحال المُبْطِلين، وتأويل الجاهلين، الذّين عقَدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عِقال الفِتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متّفِقُون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهَّال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين(1) أما بعد :
إن الأمم ترفع هامتها و يزيدها فخرا و تِيْها وُقُوف خيارها من مثقّفين و مفكّرين و علماء في شتّى المجالات للدّفاع عن حياضها و حراسة ثغورها من أي هجمة كانت : لأنّهم السُّرَاة ، و لا يجوز أن يقع هذا الوصف إلا على مَن ترجّل لخدمة أمّته و رفعِ قدرها ، فإن وقع هذا الوصف زورا على أراذل النّاس و سَفَلَتهم كان إيذانا بانحطاط الأمّة كما قال الشاعر :
لا يصلح النّاس فوضى لا سُراة لهم***و لا سُراة إذا جُهّالهم سادوا
فأين أمة الإسلام من كل هذا !؟ إنّ التاريخ المجيد لهذه الأمّة العظيمة - أمّة الإسلام - ليجعل المسلمَ يُرفرِف قلبُه فرحا و فخرا بانتسابه إليها ، كيف لا و قد شَهِد لها خُصومها بذلك، و امتلأت صفحات التّاريخ بتدوين مآثرها و ذكر آثارها الطيّبة التّي تجاوزت ظلالُها حدود الخلافة آنذاك. فإن سألت نفسك عن السِرِّ كان الجواب بديهيا و لا يحتاج منك كبير عناء و أنت تُفكّر فيه :" سيادة العلماء العاملين" ، إنهم السُّرَاة الذّين افتتحنا مقالنا هذا بوصفهم ! لقد كانت الأمّة فيما مضى ولُودا - و لازالت بإذن الله - يسُوسُها خيارُها و يحرُس ثغورَها علماؤها بحدّ السّيف و القلم فتبوّأت تلك المكانة. لكن لما زُحزِح العلماء عن مكانتهم مع تقادُم الزّمن و دخل بينهم بعض قُطّاع الطّريق - الطريق إلى الله - و هانوا بهوان العلم الذي صار سلعة تُباع و تُشترَى و ينتسِبُ إليه السُّوقة و الرّعاع صِرنا إلى ما نرى اليوم و الله المستعان. لذلك لا تستغرب اليوم و غدا- إلاّ أن يشاء الله- هذا الجمود المُخيِّم على أرجاء العالم الإسلامي مع تنامي الهجمة الشّرسة على الإسلام و أهله؛ لا توجد محجمةُ دمٍ إلا و هي دمُ مسلمٍ ؛ بالأمس القريب كان الهجوم على المصادر الأصلية للدِّين في سلسلة طويل ذيلها حتى امتدّ إلى عِرْض و شخصِ رسول الله - صلى الله عليه و سلم- ثم صحابته الكرام - رضوان الله عليهم - فكانت بعض الجهود من بعض المُخلِصين لكنّ النّاس سرعان ما ينسون لأنهم لا يحملون هَمَّ القضية(2)؛ و هاهي قضية الحجاب القديمة الجديدة فأين هم حُرّاس الفضيلة ؟. و غيرها من الموجعات التي عزّ حصرها. و إذا سألتني عن سبب ذلك كلّه رجعت بك إلى رأس الفكرة "غيابُ العلماء العاملين" و سيادة الجُهّال و هم أصناف: فمنهم علماء السُّوء(3)، و منهم المتعالمون الذّين اتّخذوا فروع الشريعة و جزئيّاتها مِعْوَلا لهدم أصولها و كليّاتها ، و منهم جماعة على مذهب " دينٌ يُحبُّه الملوك"(4) ، ومنهم من ظنّ أن الخير انقطع و لن ترتفع للحقّ راية فزهد في كل شيء و اعتزل ، و منهم من شُغِل في الفضائيات أو بالردّ على ما نُسب إليه من تصريحات لا تتعدّ أن تكون سياسية ، و إلى الله المشتكى . و إليك أسوق هذا الكلام الذي يُكتب بماء العيون فضلا عن ماء الذّهب لطبيب القلوب العلامة المُتفنِّن ابن القيم -رحمه الله- و من كلامه استللت عنوان المقال " بليّة الدين ". لعلّك تجد فيه سلوى لمُصابك إن كنت تدندن حول دندنتي
بلِيّة الدِّينِ
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترةً من الرُّسل بقايا من أهل العلم يدْعون من ضلّ إلى الهُدَى، ويصبِرُون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العَمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائه هدَوه، فما أحسن أثَرَهم على النّاس وأقبحَ أثرَ النّاس عليهم! يَنفُون عن كتاب الله تحريف الغالِين وانتحال المُبْطِلين، وتأويل الجاهلين، الذّين عقَدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عِقال الفِتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متّفِقُون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهَّال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين(1) أما بعد :
إن الأمم ترفع هامتها و يزيدها فخرا و تِيْها وُقُوف خيارها من مثقّفين و مفكّرين و علماء في شتّى المجالات للدّفاع عن حياضها و حراسة ثغورها من أي هجمة كانت : لأنّهم السُّرَاة ، و لا يجوز أن يقع هذا الوصف إلا على مَن ترجّل لخدمة أمّته و رفعِ قدرها ، فإن وقع هذا الوصف زورا على أراذل النّاس و سَفَلَتهم كان إيذانا بانحطاط الأمّة كما قال الشاعر :
لا يصلح النّاس فوضى لا سُراة لهم***و لا سُراة إذا جُهّالهم سادوا
فأين أمة الإسلام من كل هذا !؟ إنّ التاريخ المجيد لهذه الأمّة العظيمة - أمّة الإسلام - ليجعل المسلمَ يُرفرِف قلبُه فرحا و فخرا بانتسابه إليها ، كيف لا و قد شَهِد لها خُصومها بذلك، و امتلأت صفحات التّاريخ بتدوين مآثرها و ذكر آثارها الطيّبة التّي تجاوزت ظلالُها حدود الخلافة آنذاك. فإن سألت نفسك عن السِرِّ كان الجواب بديهيا و لا يحتاج منك كبير عناء و أنت تُفكّر فيه :" سيادة العلماء العاملين" ، إنهم السُّرَاة الذّين افتتحنا مقالنا هذا بوصفهم ! لقد كانت الأمّة فيما مضى ولُودا - و لازالت بإذن الله - يسُوسُها خيارُها و يحرُس ثغورَها علماؤها بحدّ السّيف و القلم فتبوّأت تلك المكانة. لكن لما زُحزِح العلماء عن مكانتهم مع تقادُم الزّمن و دخل بينهم بعض قُطّاع الطّريق - الطريق إلى الله - و هانوا بهوان العلم الذي صار سلعة تُباع و تُشترَى و ينتسِبُ إليه السُّوقة و الرّعاع صِرنا إلى ما نرى اليوم و الله المستعان. لذلك لا تستغرب اليوم و غدا- إلاّ أن يشاء الله- هذا الجمود المُخيِّم على أرجاء العالم الإسلامي مع تنامي الهجمة الشّرسة على الإسلام و أهله؛ لا توجد محجمةُ دمٍ إلا و هي دمُ مسلمٍ ؛ بالأمس القريب كان الهجوم على المصادر الأصلية للدِّين في سلسلة طويل ذيلها حتى امتدّ إلى عِرْض و شخصِ رسول الله - صلى الله عليه و سلم- ثم صحابته الكرام - رضوان الله عليهم - فكانت بعض الجهود من بعض المُخلِصين لكنّ النّاس سرعان ما ينسون لأنهم لا يحملون هَمَّ القضية(2)؛ و هاهي قضية الحجاب القديمة الجديدة فأين هم حُرّاس الفضيلة ؟. و غيرها من الموجعات التي عزّ حصرها. و إذا سألتني عن سبب ذلك كلّه رجعت بك إلى رأس الفكرة "غيابُ العلماء العاملين" و سيادة الجُهّال و هم أصناف: فمنهم علماء السُّوء(3)، و منهم المتعالمون الذّين اتّخذوا فروع الشريعة و جزئيّاتها مِعْوَلا لهدم أصولها و كليّاتها ، و منهم جماعة على مذهب " دينٌ يُحبُّه الملوك"(4) ، ومنهم من ظنّ أن الخير انقطع و لن ترتفع للحقّ راية فزهد في كل شيء و اعتزل ، و منهم من شُغِل في الفضائيات أو بالردّ على ما نُسب إليه من تصريحات لا تتعدّ أن تكون سياسية ، و إلى الله المشتكى . و إليك أسوق هذا الكلام الذي يُكتب بماء العيون فضلا عن ماء الذّهب لطبيب القلوب العلامة المُتفنِّن ابن القيم -رحمه الله- و من كلامه استللت عنوان المقال " بليّة الدين ". لعلّك تجد فيه سلوى لمُصابك إن كنت تدندن حول دندنتي